ليس هناك أوجه تشابه بين حرب يونيو (حزيران) التي بدأت في الخامس من يونيو واستمرت ستة أيام فقط، ووقعت أحداثها قبل أكثر من 57 سنة، وبين عملية طوفان الأقصى، المستمرة منذ 400 يوم، أي منذ 7/10/2023، بل هناك اختلافات كثيرة بين هذ الحرب التي جرت بين دولة الاحتلال إسرائيل الصهيونية من جهة، وبين مصر وسورية والأردن والعراق من جهة أخرى، وهي اختلافات تصب لمصلحة رجال المقاومة الفلسطينية بشكل واضح وفاضح، فحرب يونيو 1967 كان من نتائجها أن إسرائيل استطاعت أن تدمر 80% من القدرات العسكرية الجوية في جميع الدول العربية المواجهة للكيان الصهيوني، الذي عجز عن كسر شوكة المقاومة الفلسطينية، ليصب جام غضبه بقصف المباني السكنية والمستشفيات والمدارس، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. حرب حزيران (يونيو) 1967 كان من نتائجها أن احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان، بإجمالي مساحات محتلة بلغت 69 ألف كيلومتر مربع، بما يوازي 190 ضعف مساحة قطاع غزة التي لم يتمكن الإسرائيليون من احتلالها كلها بسبب المقاومة الفلسطينية الشرسة التي استخدمت أنفاقاً صارت عقبة لقوات الاحتلال الذي يدعي أنه دمر 50% منها فقط بعد مرور قرابة 400 يوم من بدء عملية طوفان الأقصى. حرب يونيو 1967 وخلال أيام ستة فقط، استطاعت الطائرات الإسرائيلية أن تكبد العرب أكثر من 25 ألف قتيل، وأسر آلاف الجنود وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين، في الوقت الذي تمكنت فيه القوات العربية من قتل 800 إسرائيلي فقط خلال هذه الحرب الخاطفة، في حين عجز الصهاينة عن تهجير سكان غزة رغم التدمير الشامل الذي طال مباني ومرافق هذا القطاع، في الوقت الذي استطاعت فيه المقاومة أن تكبد العدو أكثر من 3 آلاف بين قتيل وجريح، وهو أمر لم يحققه العرب في أي من حروبهم مع الكيان الصهيوني. خلال حرب يونيو 1967، كان صوت المذيع الراحل أحمد سعيد، يصدح عبر إذاعة صوت العرب، ناقلاً تفاصيل أحداث معارك الأيام الستة ومدعياً أن القوات المصرية أسقطت عشرات الطائرات الإسرائيلية، والواقع أنها كانت أكاذيب إذاعية وثق بها العرب أياماً معدودة، وفي وقت كانت وسائل الإعلام الغربية صامتة تراقب ما حل بأعدائهم العرب. مع بداية انطلاقة عمليات طوفان الأقصى وإعلان كتائب القسام عن إنجازاتها البطولية وقتل وأسر العشرات من قوات الاحتلال الإسرائيلي، كانت ذكريات أكاذيب إذاعة صوت العرب تلقي بظلالها على أجواء الإذاعات العربية خصوصاً فيما يتعلق بحصول المقاومة على معلومات عسكرية في غاية السرية، ثم تغير الوضع 180 درجة عندما واصلت المقاومة عملياتها لشهور. الغريب أنه خلال عملية طوفان الأقصى وفي الوقت الذي صمتت فيه غالبية وسائل الإعلام العربية عن دعم المقاومة والدعوة لتقديم المساعدة العينية لأهالي قطاع غزة، كان الإعلام الغربي يتحدث عن بطولات الفلسطينيين والجرائم والمذابح التي ترتكب بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وفي الوقت الذي كانت بعض المخابرات العربية تلاحق أي عربي يرفع علماً فلسطينياً، كانت المظاهرات الصاخبة في أغلب الدول الغربية تطالب المجتمع الدولي للتدخل لوقف الانتهاكات في حق الشعب الفلسطيني الأعزل ومنح الفلسطينيين حق السيادة على أراضيه المحتلة. من نتائج حرب 1967 أن هجر عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة، بعد أن تم محو قرى فلسطينية بأكملها من الوجود، لتوطين الصهاينة، كما تم تهجير معظم سكان محافظة القنيطرة السورية، وغالبية سكان مدن قناة السويس (بور سعيد والإسماعيلية والسويس)، على الرغم من أن كل هذه المدن العربية لم تتعرض للقصف اليومي المتواصل كما يتعرض له قطاع غزة من شماله إلى جنوبه منذ أكثر من سنة، ومع ذلك لم يتمكن العدو الصهيوني من تهجير سكان القطاع. فأي خذلان عربي نعيشه هذه الأيام، وأي بطولة وأي مقاومة وأي صمود هذا الذي نراه في عمليات طوفان الأقصى؟
بقايا خيال: ما بين النكسة… وطوفان الأقصى
يوسف عبدالكريم الزنكوي
المصدر
الجريدة الكويتية