في حين يركز العالم على الحروب في غزة ولبنان، لا يولي أحد اهتماماً كبيراً للمأساة المتفاقمة التي تعيشها سوريا المجاورة. وعلى الرغم من كل هذا، تمر سوريا بنوبات من العنف التي تنذر بالسوء.
لقد تأثر كل ركن من أركان البلاد. حيث تنفذ إسرائيل غارات شبه يومية ضد مواقع القيادة والجيش الإيرانية والسورية، بما في ذلك في دمشق. وفي سبتمبر/أيلول، دمرت منشأة إنتاج علمية وعسكرية رئيسية تديرها إيران وسوريا وحزب الله بشكل مشترك في قلب المنطقة العلوية. كما هاجمت الميليشيات السورية المدعومة من إيران مواقع أميركية في الشرق، مما دفع الولايات المتحدة إلى شن عمليات انتقامية واسعة النطاق. وكثفت تركيا قصفها للمواقع الكردية في الشمال الشرقي بعد هجوم على شركة دفاع مملوكة للدولة في أنقرة الشهر الماضي. ويقصف جيش النظام السوري وحليفته الروسية آخر معاقل المتمردين في إدلب، ربما قبل حملة برية جديدة. ويرفع تنظيم داعش رأسه القبيح في الصحراء الشرقية.
وإذا أضفنا إلى ذلك الانخفاض السريع في المساعدات الإنسانية المقدمة لنحو 17 مليون شخص، فضلاً عن نصف مليون أو نحو ذلك من اللاجئين اللبنانيين والسوري الذين فروا من الحرب في لبنان، فإن كل هذا يشكل وصفة لتفاقم الديناميكيات.
إن الرئيس بشار الأسد يراقب كل هذا بخوف شديد، فهو مدين باستمرار قبضته على السلطة لتورط إيران وحزب الله خلال الحرب السورية. ولأنه ضعيف ويسهل معاقبته، فإنه يتصرف بدافع الحفاظ على الذات. لقد وافق على استخدام جنوب سوريا لإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل من قبل الميليشيات المدعومة من إيران، لكن جيشه ليس في حالة تسمح له بالانضمام إلى القتال وأجهزته الأمنية مخترقة من قبل الاستخبارات الإسرائيلية. وهو يخاطر بهجوم إسرائيلي أكبر، وهو الهجوم الذي قد يقطع رأس نظامه. ولهذا السبب كان الأسد صامتًا بشكل واضح بشأن غزة، حتى عندما ينتقد إسرائيل. ولم يغفر لحماس قط انحيازها إلى التمرد السوري.
والآن يرى الرئيس السوري فرصة سانحة في إعادة ضبط التوازن الإقليمي الجاري حالياً. فقد شعر بالقيود والإذلال بسبب اعتماده على حزب الله وإيران. وكان الأسد ينظر ذات يوم إلى حسن نصر الله الراحل باعتباره مرشداً له، وحزب الله باعتباره مصدراً للشرعية الإقليمية. ومن المثير للاهتمام أن الأمر استغرق منه يومين لإصدار بيان غنائي في أعقاب اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله. ولعل الرسالة وراء الخطاب المزهر يمكن تلخيصها على النحو التالي: “شكراً على خدمتك. لقد كان من دواعي سروري أن أعرفك. وداعاً”.
في نظر الأسد، فإن ضعف إيران وحزب الله قد يسمح له بالاعتماد بشكل أكبر على روسيا ومغازلة الخليج والدول العربية الأخرى. وفي سعيه للحصول على التمويل والاحترام السياسي، يرى أن موسكو في وضع جيد لمواجهة النفوذ الغربي، وتسهيل التقارب مع تركيا وتسريع إعادة المشاركة العربية. ولهذا السبب كان مبتهجا أثناء حضوره مؤتمر الرياض للترويج للدولة الفلسطينية الأسبوع الماضي. وقد استمتع بشكل خاص بالاجتماع مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أنهى استبعاده من جامعة الدول العربية في عام 2023.
وتكتسب محاولات إعادة تأهيل الأسد زخماً متزايداً. وتحرص العديد من الدول الأوروبية ــ بما في ذلك إيطاليا والمجر واليونان ــ على التخلي عن سياسة العزلة الحالية. وتريد هذه الدول إعادة اللاجئين السوريين إلى البلاد على الرغم من عدم رغبة النظام في السعي إلى المصالحة الحقيقية. وتأمل هذه الدول أن يوافق الأسد في مقابل الدعم المالي والغطاء السياسي على السماح بعودة أعداد كبيرة من اللاجئين الذين يعيشون ليس فقط في أوروبا بل وأيضاً في الأردن ولبنان وتركيا.
ولكن هذه التوقعات غير مبررة. فبالنسبة للأسد، تشكل المفاوضات بشأن الأمن واللاجئين والمخدرات وسيلة لتوريط الحكومات الأجنبية في عمليات مطولة يدفع فيها الطرف الآخر ويتنازل، في حين يتحدث هو ولا يتنازل عن أي شيء. ويأمل الأسد أن تسحب إدارة ترامب القادمة قواتها من سوريا وترفع العقوبات الصارمة دون أن تلزمها بالانخراط في عملية سياسية.
لقد أبدت تركيا اهتمامها بتطبيع العلاقات مع الأسد، لكنه طالب بانسحاب مسبق للقوات التركية من شمال سوريا، وهو الأمر الذي لا تستطيع أنقرة قبوله في الوقت الحاضر. كما أن الأزمة اللبنانية قد تفيده إذا ضمت روسيا الأسد إلى صفقة إقليمية لإنهاء الحرب هناك. ولكن قبل كل شيء، فإن الأسد ليس على وشك الانفصال عن إيران. ففي هذه الساعة من الخطر الكبير، فإن حساباته هي أن طهران تحتاج إليه أكثر من العكس.
لقد كان الأسد ينظر دائماً إلى تقديم التنازلات باعتباره علامة ضعف. ومن الأفضل له أن يظل ثابتاً على موقفه وينتظر حتى يتغير المناخ. ولعل الأسد لم يكن يتوقع تحولاً كبيراً مثل التحول الذي يتشكل الآن. وربما يتمكن من تحقيق هدفه، وإلا فقد يخسر كل شيء.