كثيرة هي القصص التي يرويها المعتقلون عن (أيامهم السوداء) في مسالخ النظام البشرية التي يطلق عليها اصطلاحاً (سجون)، إلا أن المعتقل رقم 108 له حكاية أخرى، ففرحته بالخروج من مسالخ أسد البشرية انتهت مع زحه في مسالخ حزب الله في لبنان، قبل أن يتمكن من الخروج بموجب رشوى كبيرة قدمها لأحد الضباط هناك.
في أقبية صيدنايا
يقول “صلاح مدراتي” الأربعيني الحلبي الذي تم اعتقاله بعد تقرير كيدي قدّمه به جاره الشبيح “مؤيد حفّار”، بتهمة بيع وشراء الخبز الحر وتهريبه للأرياف وبيعه بأسعار خيالية في حديث لـ أورنت: “بعد التقرير الذي قدمه عديم الذمّة، تم استدعائي للتحقيق من قبل المخابرات الجوية، وهناك تغير سير التحقيق، وتم اتهامي بالتآمر على البلد وأمنها (المعدوم أصلاً)، فضلاً عن تهم أخرى تتعلق بتدمير الاقتصاد الوطني والعبث بقوت المواطن واستغلاله، محاولين طمس الحقيقة التي تقول أن (حكومتنا أذلها الله فوق ذلها)، لم تترك وسيلة لاستغلال المواطن إلا وفعلته.
وأضاف: “تم تحويلي بعدها إلى سجن صيدنايا بعد 20 يوماً على اعتقالي في حلب، وهناك تم منحي الرقم 108، فهناك لا مجال للأسماء وإن تم ضبطنا نتحدث بالأسماء فعلى حياتنا السلام، وللعلم فإن أول 3 أيام من صيدنايا تم وضعي في منفردة لا تدخلها الشمس ولا الهواء، وفي اول جلسات التحقيق وبينما كان المحقق يملي علي كلاماً لا أعرف عنه شيئاً، وبينما أنا أنكر التهم الموجهة إلي قام المحقق بضربي بمنفضة كانت أمامه على الطاولة، ما أدى لتكسير أسناني الأمامية كاملة، ولم يتوقف الأمر هنا بل طلب مني التقاطها وإعادتها إلى مكانها”.
كي بالقضبان المعدنية
وذكر: “عندما أخبرته أنه لا يمكن ذلك استدعى السجّانين في الخارج، وهناك بدأت رحلة تعذيب دامت لمدة ساعتين كاملتين ربما، لقد تم تعليقي رأساً على عقب وضربي بمواسير المياه إلى ان فقدت وعيي، وعندما أفقت وجدت نفسي مضرجاً بالدماء في الزنزانة، ومن حولي التف السجناء محاولين مسح دمائي وإيقاف النزيف”، مشيراً إلى أن جلسة التحقيق الثانية انتهت بحرقه بواسطة قضبان معدنية ساخنة، حيث قام أحد السجانين بكي مناطقه الحساسة بواسطة سيخ معدني.
ويكمل صلاح أو المعتقل رقم 108 حديثه لـ أورنت قائلاً: “فقدت قدرتي الجنسية بشكل كامل، كما فقدت قسماً كبيراً من أسناني، وفي آخر جلسات التحقيق تم خلع كتفي واقتلاع أظافري، لقد كانت جميع التهم الموجهة إلي متعلقة بالإرهاب وغيره، لقد بقيت في صيدنايا لنحو 7 أشهر، قبل أن أخرج بموجب عفو أصدره رأس النظام”، لافتاً إلى أنه وبعد خروجه باع فرش منزله المستأجر في حي الفردوس، وفرّ بعائلته إلى لبنان منتصف 2023.
إلى سجن رومية
يستطرد صلاح بحديثه قائلاً: “لم تدم فرحتي بالنجاة أكثر من شهرين، فبسبب عدم امتلاكي لأوراق إقامة استوقفني حاجز للجيش اللبناني خلال ذهابي إلى عملي في بيروت، وتم نقلي إلى مديرية أمن بيروت، وخلال التحقيق معي تبين لهم أني (إرهابي) كيف ولماذا لا أدرى، ولكن ما أعرفه أن مسلسل تعذيبي كان يومي، نعم يومياً أتعرض للضرب والسحل وغيره، فضلاً عن الشتائم وشتم الذات الإلهية، لقد التقيت هناك بسوريون كثر غالبيتهم بدون إقامات وغالبيتهم تم اتهامهم بالإرهاب وغيره.
وتابع: “لقد أقدم بعض السجانين على اتباع طرق وحشية في التعذيب، بدأت بالجلد والسحل وكرسي الشمعة وانتهت بـ “الخازوق”، نعم الخازوق الذي نعرفه جميعاً، لقد استخدموا عصي مماسح الأرضيات في ذلك، الهدف كان هو كسر إرادتنا وإجبارنا على الاعتراف على تهم ملفقة لنا”، مضيفاً إنه وبعد إمضاء نحو الشهر في الامن العام اللبناني تم تحويله إلى سجن رومية، وهناك مكث نحو 16 يوماً قبل إخراجه مع ورقة تمهله 72 ساعة لمغادرة لبنان، حيث عاد ليبيع ما يملكه من أمتغة ويصطحب أسرته في رحلة تهريب بحرية انتهت بوصوله إلى قبرص اليونانية.
اتهامات مستمرة للسوريين
وكان الأمين العام لما يعرف باسم حزب البعث في لبنان “علي يوسف حجازي”، قد حمّل مسؤولية مقتل أحد المسؤولين في ميليشيا حزب الله لأحد اللاجئين السوريين، حيث ذكر في منشور له على منصة X، بأنّ هناك معلومات تشير إلى أن عميل يحمل الجنسية السورية موقوف بتهمة التخابر لصالح إسرائيل، قام بتصوير مقر الحزب الذي قتل بداخله مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله “محمد عفيف النابلسي”.
وتابع في لقاء له على قناة الجديد: “هناك لاجئ سوري يدعى (أحمد الجاسم)، موقوف لدى الجيش اللبناني وهو عميل مكلف بتصوير مواقع لصالح الجيش الإسرائيلي منها مقر قيادة حزب البعث في لبنان، مشيراً إلى أنه لم يكشف عن هذه المعلومات مسبقاً (منعاً لإثارة البلبلة) وفق تعبيره، مشيراً إلى أن اللاجئ اعترف بتصوير مقر الحزب، إلا أنه عاد في الوقت نفسه ليقول بأنه مستعد للاعتذار في حال لم تكن هذه المعلومات صحيحة.